أبو جهاد في مذكّرات فتحاوي عتيق (ما لَم يذكُره التّاريخ)
تاريخ النشر : 2018-04-17 00:30

قَد مَضى على إستِشهاد أبُو جِهاد ثلاثُون عامًا، ولعلّه مِن الإجحَاف أن لا تُسجّل المُهمة التي لم تُنجز لأبُو جٍهاد في سَعيه نحو التّغيير، فهٍي رَصيد هَذا القَائد أمَام التّاريخ، ولكنّ الأجهِزة والإختِراقات كَانت أقوَى مِن كُل ما أعدّه لعمليّة التّغيير هَذه. رُبما تكُون هَذه المَرّة هي الأولى التي أكتُب فِيها بآليّة  مُختلفةٍ عن المُعتاد، فقَد اعتدتُ أن أكتُب مَقالاتِي بِطريقة الإلقَاء المُباشر عَلى من يقُوم بالطّباعة على جِهاز الكُمبيوتر، أمّا فِي هَذا المقال فقد ارتَأيت أن أوثّق فِيه شِيئا  قَليلا مِن المعلُومات بأن أكتُبها بأنامِلي بشكلٍ مُباشر، فمنذُ فترةٍ وأنا مُتردّد وأتسَائل: كيفَ أكتُب في ذِكرى أمِير الشّهداء؟، كيفَ أكتُب في قَائد طَليعة التّغيير التي كَانت يُمكن أن تُحدث إنقلابًا سياسيًا واستراتيجيا ً في مَسيرة مُنظمة التّحرير الفِلسطينية وحَركة فَتح.

فِي ذِكرى إستِشهادِه سيكتُب الكَثيرون، وسَيُحدّث إخوةٌ لأبُو جِهاد بالكَثير ممّا هُو مَعرُوف، ولكنّي لا أدري ما الذي دَفعهُم لعدَم الحَديث عَن المُهمّة الأخِيرة والتي لم تُنجز لأبُو جِهاد والتي عَمل عَليها ودَفع حَياته ثَمنًا لَها، هَل كَانت دَوافِع الخَوف والجُبن هِي التي دَفَعتهُم لِذلِك؟

قالُوا الكَثيرعَن الأسبَاب الرّئيسية لإغتِيال أبُو جِهاد، قالوا أنّها عَملية ديمُونة، وقالُوا قِيادتَه للإنتِفاضَة، وقالُوا غيرَ ذَلك، ولكنّى كفتحاويّ عتيقٍ ومُعاصِرٍ لتلك الحُقبة أعتَبُر أنّ كُلّ تِلك المُسبّبات هِي مُسبّباتٌ ثانَوية، فكَان الهَدفُ مِن التّصفِية هُو تغيِيرُ مَا تبقّى فِي مُنظّمة التّحرير وفَتح مِن وَجهٍ نِضاليٍ سعيًا للإلتِحَاق بالبرنَامج الأمرِيكي التّصفَوي للقضيّة الفِلسطينيّة التي كَانت بِدايتُها إّتفاق غزّة أريحَا، ونهايتُها دَولةٌ قزَميةٌ كَدولَة فيّاض وبشرعيّة مَن لا شَرعيّة لهُم وهُم مُشرّعِي أُوسلو وقِيادتُها التي أتَت  كَنتِيجةٍ لعمليّات غَادرة باغتِيال قَادة أشدّاء مِثل أبُو جِهاد وأبُو إياد وأبُو الهَول فِي تسلسُل زَمني مُمَرحل يُؤدي إلى نَتيجة بُروز تِلك القِيادة وخَطّها السّياسي وقِيادتِها لمُنظّمة التّحرير ولحَركة فَتح.

رُبّما كَانت الإنتفَاضَة هِي مُفجرّة الثّورة فِي الوَقت المُناسِب لأبُو جِهاد ورُبّما كَانت هِي الفِتيل المُعزّز والمُقويّ لعمليّة التّغييِر التي قَاد إرهَاصَاتِها مُنذ الخُروج مِن بيرُوت، فمنذُ أن حقّقت الإنتفَاضَة إنجَازات نِضاليّة وشَعبيّة كَانت مجمُوعَات أبُو جِهاد مُستهدَفة دَاخِل الوَطَن وخَارجِه بل كَانت مجمُوعات أبُو جِهاد مُستهدفة فِي عمليّة إغتيَالَات ملحُوظة خَارج الوَطن، فإثناءُ زَخم الإنتفاضَة ومَا كَان يُمكن أن يَنتج عَن هَذا الزّخَم مِن هَزيمة مُحققّة للعدُوّ الصّهيونِي كَانت ضَرورة. كَانت هُناك مجمُوعات وقِيادات فِي هَذه الحَركة تخوّفِت عَلى وُجودُها ونفُوذها فبدَأت فِي عَمليّات إختراقيّة يُعزّزها المَال السّياسي لمجمُوعات أبُو جِهاد فِي الضّفة الغربيّة وغزّة وأخذَت أسمَاءً مُختلِفة، لا أُريد هُنا أن أذكُر أسماءً فمِنهُم مَن كَان يتحكّم فِي المَال الحَركي ومنهُم مَن هُو الآن فِي قيادَة أوسلُو.

رُبّما يعرِف الكَثيرُون عَن توجّهات أبُو جِهاد وسُلوكِه ولكن لِماذا  لم يتحدّث هَؤلاء عَن توجّهات أبو جِهاد بعدَ عَام 1983 وإقتناعِه التّام بحتميّة تغيير تِلك القِيادة التي كَان كَما توقّع أبُو جِهاد أنّها ستصِل إلَى مَشَارِيع وتوافُقات ومُبادَرات مَع العدوّ الصّهيونِي.

لقد مَضى عَلى إستِشهَاد أبُو جِهاد ثلاثون عَامًا ومِن الإجحَاف أن لا تُسجّل المُهمّة التِي لم تُنجز لأبُو جِهاد فِي التّغيير فَهي رَصيد هَذا القَائد أمَام التّاريخ بأنّه عَمِل عَلى الكِفاح المُسلّح ولم يُفرّط بل حَاول التّغيير، بَل كَانت الأجهِزة والإختِراقَات أقوَى مِن كُل ما أعدّه لعمليّة التّغيير هَذه، لقِد كَان أبُو جِهاد مُمتعظًا بل مُتخوفاً وقلقاً مِن تغلغُل الجَواسِيس في الجَيش بحُكم قَرار أبُو عمّار بالإفرَاج عَنهُم فِي بيرُوت والتحاقِهم بالجَيش برُتبٍ عَسكريّة واصَطدَمت قَرارت أبُو جِهاد باعتقالِهم مَرّة أُخرى بِقرَارَت القَائد العَام وعَبد الرّزاق المَجَايدة والتّنظِيم والإدَارَاة ، كَان أبُو جِهاد يعمَل ليلا ً نَهارًا عَلى تنظِيم أطُر وكَوادر حَركة فَتح الشّرفاء فِي دَاخل المُؤسّسة العَسكرية وخَارجِها وكَان منزعجا ً من قيادات الجَيش وتشكِيلاته ومَهامِه.

كانَ الصّدام الأوّل بينَ توجّهات أبُو جهاد والمُؤسسة العَسكرية وعَلى رأسِهم عِارف خطّاب  وضُبّاط عَين جالُوت الذين حظُوا بالكَثير من رِضَا أبُو عمّار فأخذُوا بذلِك الرُّتب والإمتيازَات وهُم المُوالين لنَهج الإستِسلَام وتذويب الرّوح المعنويّة للمُقاتلين فِي اليَمن والسّاحات الأُخرَى بَعد الخُروج مِن طَرابلُس لبِنان، ووصلَت الأمُور من الحِدة إلى المُواجهة العَسكريّة ، ودَخلَت القَرارت المتنفّذة بتشتِيِت كَوادر القِطاع الغَربي والشّرفاء بقَرار من القائِد العَام كإجراءٍ لحماية قائد الجَيش وتشكِيلاته على الأَرض، قَامت تِلك القُوى بمُلاحقة تنظِيم حَركة فَتح في دَاخل القُوات ضِمن مُواجهَات وتَحقيقَات وقَطع رَواتِب وعقُوبات بحُجة أنّ الجَيش ليسَ فصَائليا ً في حِين أنّ كُل فَصَائل المُقاومة كَانت تُمارس دَورها التّنظيمي فِي دَاخل القُوات.

لم تقتصِر تحرّكَات أبُو جِهاد وخَاصّة بَعد عَام 1986م وبعد نَبذ الإرهَاب مِن أبُو عمّار على الأوضَاع الدّاخلية فِي دَاخِل حَركة فَتح بَل كَانت نَشَاطات أبُو جِهاد تعمَل على المُستوى الخَارجي مَع قُوى عَربيّة مُهمّة ومع فَصَائل المُقاومة الأخرى، اقتنع الجَميع فِيها بضَرُورة التّغيير، تغيير نَهج تِلك القِيادة ومَا تُمثلُه عَلى طَريق الإنهيار للثّورة الفِلسطينية ولِمبادئِها وأهدَافِها.

 

رُبما لو لم تُنفذ مهمّة الإغتيال فِي مُنتصف إبريل وتباطَأت لأسَابيع أو شُهور لشهِد الشّعب الفِلسطيني والأمّة العَربية الثّورة دَاخل الثّورة، الثّورة المُحافظة عَلى المَبادئ والأهدَاف والمُنطلقات وشَرف الإنتمَاء، رُبمَا كَان توقيت الإغتيال لمَنع هَذا التفجِير ومَنع التغيّر المُعدّ عَلى مَدار أكثَر مِن سَنة.

لو أُنجزت المُهمة لمَا رَأينا أوسلُو ولمَا رأينَا خارِطة الطّريق ولا رَأينا أبطَال أوسلُو وقِيادَات مَركزيّة فَتح الإنقلاب النّهائي عَلى الجُذور، إنّها مُهمة دَقيقة تمّ القَضَاء عَليها فِي الوَقت المُناسِب لتُصبِح حَركة فَتح حَركة التّطبيع والتّنسِيق الأمنِي ونُكران للشّهداء والمُناضلِين وأصبَحت حَركة فَتح عَلى أيديهِم مُجرد مجمُوعات مِن المُتسوّلِين عَلى رَاتب الرّباعية دَاخل الوَطن، فعلى أيدي هؤُلاء الذين قامَت زَعامتهُم وقيِادتِهم عَلى عمليّة إغتيال أبُو جِهاد، تمّت تصفيَة مُؤسّسات حَركة فَتح خَارج الوَطن وتمّ تشرِيد كَوادر القِطاع الغَربي وكَوادِر العاصِفة فِي عمليّة إنتقاميّة لمُهمّة نَاتجة عَن المُهمّة التِي لَم تكتمِل لأبطَال القِطاع الغَربي وقائِدهم أبُو جِهاد الوَزير.

وفي النّهاية مبرُوك لأبُو ردِينه بِما منحهُ لَه عبّاس مِن عُضويّة للجنَة المَركزية لحَركة المُتسوّلين عَلى الرّباعية فِي يَوم وفِي ذِكرى إستشهاد أبُو جِهاد ليعلُو صَوت الإنقلابيين وصَوت الثّورة المُضادّة!

 

أبُو جِهاد الوَزير القضيّة والتاريخ شَواهِد وتساؤلات مَا زالت قَائِمة:

إنّه يَوم 16/4/1987 ،حَيث تمكّنت وِحدات مِن الكوُمندز مِن إحدَاث إختراقات فِي السّاحة التّونسية مَقرّ قِيادة القَائد الفَتحاوي الكَبير خَليل الوَزير "أبو جهاد"، لن نتحدّث هُنا عن تفَاصيل العَملية التَي قَادها المُجرم باراك، فكثيرٌ مٍن الأقلام والتّقارير قَد سَردَت بشكلٍ كلاسِيكي تفَاصيل تِلك العمليّة التي تحدّثت بكَاملها عَن مَفاهيم مُباشرة وذَرائع مُباشرة لإغتيَال جِيفارا فِلسطين أبو جهاد.

فلقَد تحدّثت التّقارير أنّ الإستهداف تمّ نتِيجة التّخطِيط مِن قِبل هَذا القَائد العَظيم أبُو جِهاد لعمليّة ديمُونة فِي 8/3/1988م ومليّة سَافوي وعمليّة السّاحل عَام 1978م وعمليّة مُحاولة اقتِحام وِزارَة الدّفاع الصّهيونية وإعتقال قادة عَسكريّين إسرائيلييّن لإستبدالِهم بأكثَر مِن 100 أسِير فِلسطيني، وتحدّثت بَعض التّقارير الأُخرى عَن دَور الشّهيد أبُو جهاد فِي قِيادة الإنتفَاضة وتوحّدها تَحت شِعار “لا صَوت يعلُوا فَوق صَوت الإنتفاضة”، تِلك الانتفاضَة التي تفجّرت فِي 7/12/1987 والتي كَانت رَدا ً حاسِما ً على كُل مُحولات شَطب دَور مُنظمة التّحرير الفِلسطينية وضِد ما إعتبَره الصّهاينة تفكِيك لقُوى الثّورة ومَنابعِها ومُناطقِها الإرتكازيّة ، ولكِن أبُو جِهاد الوَزير الذي كَان عَلى كَامِل مِن القَناعة أنّ الثّورة فِي الخَارج يجِب أن تنتقِل إلى الدّاخل وفِي صِدام مُباشر مَع العدوّ الصّهيوني والإحتلال، تلافيا ً لمؤثّرات إقليميّة وقُوى ضَاغِطة عَلى قِيادة مُنظمة التّحرير وقِيادة حَركة فَتح للدّخول فِي دَهاليز مَا يُسمّى ”بفرضيّات السّلام” ومَا تبِعها مِن ذَلك مِن سُلوك.

حقيقةً أنّ جَميع الأقلام وإخوة أبُو جِهاد مَازالوا مُمتنعِين عَن كَشف كَثير مِن الحَقائِق عَن أهدَاف عَملية الاغتيَال التي لم تتنَاقل مِنها الأنبَاء والمُحلّلين إلا الأهدَاف المُباشرة والمُبرّرات المُباشرة كمُبرّر إجتياح لِبنان في عَام 1982 أو كحُجج أُخرى تأخُذ سِتارا ً لتنفِيذ مَرحلة جَديدة ومَعالم جَديدة فِي مُعادلة الصّراع بَين قُوى الثّورة الفِلسطينية والبَرنامج الصّهيوني وقُواه عَلى الأرض.

ويُقال أنّ الوَثائق يُمكن الكَشف عَنها بَعد 15 عَاما ً مِن حُدوثِها أو وَفاة أو إستقالَة المَعني بتلك الوَثائق أو الظّروف التِي لا يُمكن أن تُؤثر عَلى مُجريات الحَدث والاستراتيجيّة لدولةٍ ما، وأعتقد أنّه مَازالَ ورَاء عمليّة الإغتيال لأبُو جِهاد مُؤثرات هَامة وإحتياطَات هَامّة تحُول دُون نَشر كَثير مِن العَلاقات التي كَانت قائِمة بَين أبُو جِهاد وبَعض قِيادات في حَركة فَتح ومُنظمة التّحرير، والتناقُضَات التي كَانت تُعطي مُؤشر الإختلاف فِي المَنهجيّة بَعد الخُروج ِمن بيرُوت.

فالمُوساد كَما قُلت لم يفك ولَن يَستطِيع أن يفك شَيفرة "طاقيةّ الإخفاء" إلا بمُكمّلات رَئيسية لخِططِه مِن مجمُوعة مِن المُتعاونين لتنفِيذ عملياّتهم، وكَما هِي المُلابسات وإهمال المَلفّات التي اتّبعت فِي قَضايا عَملية الاغتيالات للقَادة الفِلسطينييّن وعَدم البَحث بجديّة أو التّمويه عَلى أدوَار أُخرى غَير أدوار المُوساد نَفس النّمطية اتّبعت مَع أبُو جِهاد وملفّه وأبُو عمّار ومِلفّه ولم يتّضح مِن تِلك المَلفات غَير قِصة أحمد بنّور مُساعد وزير الدّاخلية لتُونس كَما تحدّثت عَنه صَحيفة الشّروق والحَدث والتّصريح التّونسية، فلقد أُشير أنّ المُتهم قَد مهّد بالتّعاون مَع عَناصر أُخرى للتّمهيد لإخترَاق السّواحل التّونسية والوُصول إلى مَنزل الشّهيد أبُو جِهاد كما أنّه مُتهم في توفِير المعلُومات أيضا ً لغَارة حمّام الشّط في أكتُوبر عَام 1985 ومُتهم أيضا ً أنّه مِن الأطرَاف ورَاء اغتياَل قَائد فَتحاوي أمنِي عَام 1990 في بَارِيس.

بِلا شكّ أنّ إغتيال أبُو جِهاد كَان مِن ورَاءه هَدف أعظَم لا يخُص الجَانب التّكتيكي فَقط فِي أدَاء أبُو جِهاد وفِي أدَاء حَركة فتَح بَل كَانت العمليّة تُصوّب أهدَافها نَحو قضيّة الاستراتيجيّات التي تبنّاها أبُو جِهاد بَعد الخُروج مِن بيرُوت، فلقد تميّزت تحرّكات أبُو جِهاد وإخوته في السّاحات بالسّرية التّامة في التّوجُهات والمَهام، وكما قَال أبُو جِهاد أنّنا نَعيش فِي أجواء إختراقَات عَظيمة تُمهّد لإخترَاقات سِياسيّة في حَركة فَتح ومُنظمة التّحرير الفِلسطينية وَخاصّة بَعد الخُروج مِن بيرُوت وفُقداننا القَاعدة الإرتكازيّة وفِي هَذه المُناسبة أصدَر الأخ أبُو جِهاد تعليمَاته وأوامِره فِي عَام 1986 لجمِيع القُوات وإخوة أبُو جِهاد في القُوات بإعتقال كُل من لهُم قَضايَا بالتجسّس لصَالح إسرَائيل ومُقيدين برتب عسكريّة ومتفرّغين فِي جَيش التّحرير الفِلسطيني ووضعِهم في سُجون والتحفّظ عليهِم فِي القُوات ورُصدَت الإمكانيّات لذلِك إلا أنّ التناقُض أفشَل هَذا التوجّه الابتدائي لتنقية صُفوف الثّورة مِن الاخترَاقَات وتمّ تجمِيد تِلك الأوامِر من قُوى أُخرى لا دَاعي لذكر أسمَائهم الآن لحسَاسيّة الموقِف.

أبُو جِهاد قُالوا عَنه أنّه الرَجل الذي لا يتحدّث كَثيرا ً ولكِن فِي نَفس الوَقت هُو رجُل الاستراتيجيات التي تنُم عن اإبداعات للخُروج بمفاهِيم واسِعة من أضيَق المَمرّات.

أبو جِهاد وإخوَته كَانوا مُصمّمين عَلى إحداث تغيير في إتّجاه تكرِيس مفَاهيم ومَبادئ ومُنطلقات حَركة فَتح والرّجُوع لجَناح العَاصِفة أمَام عمليّات توطِين كلاسيكيّة التّجييش لقوُى حَركة فَتح ووَضع رُؤوس قِيادية كلاسيكيّة لا تخلُوا مِن إرتباطَات مَع بَعض الدّول الإقليميّة، حيثُ مثّل الكَادر الحَركي والمُقاتل الحَركي المرتَبة الثّانية أو الثّالثة فِي قِيادة الجَيش وكَانت لِهذا مُؤشّر خَطير جِدا ً عَلى مَهام الجَيش وأهدافِه ومِن ثمّ مؤشّر لنَهج سِياسي يقُود إلى أوسلُو.

كان لابُد من تِلك القُوى المُعادية أن تتخلّص مِن أبُو جِهاد وإخوة أبو جِهاد الذين موُرست عَليهم كَثير مِن عملياّت الإقصَاء والاحتوَاء بَعد إستشهادِه تمهِيدا ً فِي دُخول مَرحلة جَديدة لإحدَاث مُفاوضَات مَع العدوّ الصّهيوني تؤدي إلَى نمَاذج مِثل نمَاذج أوسلُو والطّريق التّفاوضي القَائم الآن بكُل مَفاهيمه السّياسية والأمنيّة ومؤثّراته عَلى العمليّة التّنظيمية والمُؤسّساتية سَواء فِي حَركة فَتح أو فِي مُنظمة التّحرير الفِلسطينية.

أبو جِهاد الوَزير بأداءه عَلى الأرض وببرَامِجه ووَفاء إخوتِه لهِذه البَرامج مَثّل خُطورة عَلى أطرَاف كَثيرة حيث تولّدت عَناصِر مِن الأعدَاء كثيرُون لأبُو جِهاد ولإخوَة أبُو جِهاد، فَكانت عمليّة إغتيال أبُو جِهاد هِي تبويب لكَثير مِن القَضايا التّفريطية وكَثير مِن قَضايا الأرستقرَاطية الدّكتاتُورية المُستحكمة فِي مُؤسّسات حَركة فَتح وأتَت الضّربة القَاضية التي هدّدت حَركة التّحرر الوَطني الفِلسطيني فَتح كحَركة تحرّر وَطني تعتمِد على الكِفاح المُسلح وَسيلة لتحرِير الأرض وتصفيَة الكِيان الصّهيوني بإغتيال أبُو إياد وأبو الهَول.

أردتُ مِن هَذا المَقال الخُروج عَن ما وَرد فيِ الصّحف ومِن الأسلُوب الإعلامي التّسطِيحي لوَصف حَدث فقط بدُون الدّخول فِي استراتيجيات عَمليات الاغتيَالات التي أصَابت قَادة الثّورة الفِلسطينية وعَلى رأسِ ذلك قادة حَركة فَتح .

ومابينّ المُؤتمرات العديدة لحَركة فتح هُناك قضايا إذا لم تأخُذها تِلك المُؤتمرات بِعين الإعتبار فإنّها تُعتبر مُؤتمرات للتّصديق عَلى عمليّات الاغتيَالات التي أصَابت قِيادات حَركة فًتح ما بَين تلك المُؤتمرات وعَلى رَأسِها:

1/ عمليّة إغتِيال أبُو جِهاد ومُؤثّراتها عَلى بَرنامج حَركة فَتح .

2/ إغتِيال أبُو إياد وأبُو الهَول والعِمري ومُؤثراتِهما أيضا ً عَلى بَرنامج حَركة فَتح.

3/ إغتيال عَاطف بسِيسو ومَا يمتلِك مِن إمكَانيّات لفَضح كَثير مِن الجِهات فِي دَاخل الحَركة وخَارج الحَركة ومؤثّراته عَلى البعُد الأمنِي.

4/ إغتيال خطّاب ”عزّت أبو الّرب” فِي رُومانيا ودِراسة خَلفية نَقله مِن رُومانيا عَلى أثر رفضِه أوامر بالإجتِماع مَع السّفير الإسرَائيلي فِي رُومانيا ونقلِه إلى السّاحة اللّيبية.

5/ إغتيالات للقِيادات المَيدانيّة للقِطاع الغَربي فِي نوُقوسيا ودِول أُوروبية أُخرى.

ونَلفت النّظر هُنا أنه قبلَ تصفيَة أبُو جِهاد بسَاعات كَان لِقاء الشّهيد مَع كُل القُوى دَاخل مُنظمة التّحرير وخارج مُنظمة التّحرير فِي أحَد العَواصم العَربية وأخذ بالإجمَاع موافَقتهم عَلى استرَاتيجية أبُو جهاد سَواء داخِل البيت الفِلسطيني أو خَارجه واستنكَار كُل عمليّات الإتّصال مَع العدُو الصّهيوني ومُحاولة قطف ثِمار الإنتفاضَة مُبكرا ً في أطرُوحات سِياسية تبنّتها دِول إقليمية وأُخرى فِي مُنظمة التّحرير والجَدير بالذّكر أنّ أبُو جهاد وهُو المسؤُول الأوّل عَن قُوى الإنتفاضة بالدّاخل تعرّض فِي خِلال الستّة أشهر التي سبقت إغتيالُه لعملياّت تدخّل وتغذِية مَالية لبَعض الجِهات الحَركية فِي دَاخل الوَطن في الضّفة الغَربية وغَزة لبرُوز أكثَر من قُوى مِن فَتح تتبَع شَخصيّات أُخرى مِثل مُسميات الفُهود السّود، وصُقور فتح، ومسمّيات أٌخرى، وأعتقِد تحتَ مبدَأ الحِفاظ عَلى المُعادلة الدّاخلية فِي دَاخل حَركة فَتح ولكِن كُل ذَلك يصُب فِي مَاهية وشَكل البرنَامِج السّياسي والأمنِي المطرُوح وبَعد استشهاد أبُو جِهاد شهِدت فَعاليّات الإنتفاضة تراجُعات مُخيفة بالحِصَار المَالي وغَير الحِصار المَالي وظهَرت إتصَالات FEED BACK مَع العدوّ الصّهيوني التي أنتجَت أوسلُو والخطّ السّياسي القائِم.